
مرطبانات تسهم في ازدهار مؤسسات صغيرة تتولى قيادتها سيدات لبنانيات
في الوقت الذي بدأت فيه السيدات اللبنانيات بالعمل أكثر في مجال “المونة”، توظّف مبادرة رائدة القدرة على إعادة استخدام مرطباناتها الزجاجية ضمن منصة وطنية تدعم المشاريع التي تتولى النساء قيادتها.
الفرج بعد الشدائد
يسير لبنان اليوم بخطى حاسمة نحو إعادة بناء اقتصاده بعد الأزمات التي عصفت به. وفي خضم هذه المسيرة، تبرز معاناة المرأة بشكل خاص.
كان عدم الاستقرار الذي سيطر على المنطقة مؤخراً قد ترك أثراً متفاوتاً على المرأة اللبنانية، بعدما أشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة، إلى أن نسبة بطالة النساء قد تضاعفت، بالإضافة إلى العمل في ظل ظروف غير ملائمة، والحصول على أجر أدنى مقارنة بأجور الرجال.
وعلى الرغم من ذلك، وبحسب تقديرات الأمم المتحدة بأن هذه الفجوات بين الجنسين تكلّف الاقتصاد الوطني 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، تُعد مساهمة المرأة في الاقتصاد عاملاً أساسياً لتحقيق النمو والاستقرار. وكانت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) قد حددت في إطار خارطة الطريق نحو التعافي التي وضعتها، بعض الخطوات الإصلاحية الرئيسية الهادفة إلى تمكين المرأة من الوصول إلى سوق العمل، ودخوله، والبقاء فيه.
وتحتل الحاجة إلى تعزيز ريادة الأعمال لدى المرأة، لا سيما في المناطق الريفية، محور هذه التوصيات.
ويشدّد المستشار علي فقيه، الذي أعدّ تقرير المشاركة الاقتصادية للمرأة في لبنان الصادر عن منظمة الإسكوا، على أهمية “تطوير التدريب المهني الذي يدعم مشاركة المرأة في سوق العمل، بل ويساعد النساء أيضاً على إطلاق مشاريعهن الصغيرة والمتوسطة الحجم”.
وفيما يصارع القادة في لبنان وخارجه لتحقيق هذه الأهداف بأفضل الطرق الممكنة، اتّخذت النساء اللبنانيات زمام المبادرة.
استخدام المونة لتحقيق الأرباح
المونة هي عبارة عن تقليد لبناني قديم يتمحور حول حفظ خيرات الطبيعة من فواكه، وخضار، وأعشاب، وزهور. وقد تم استخدامها عبر الأجيال للاستمتاع بما يقدّمه كل فصل على مدار السنة.
ولكن، وتصدياً للأزمة الاقتصادية التي ألمّت بلبنان، لجأت النساء إلى المونة كوسيلة لتوليد الدخل لهن، ولدعم عائلاتهن ومجتمعاتهن، بما يعكس الصمود والإرادة لدى اللبنانيين بشكل عام.
تصوّر جمال مدينة عكار القديمة، حيث تبيع ريما الرشيد مكدوس الباذنجان لمساعدة طلابها في المنطقة. وتخيّل مارلين مهنا، من قرية لحفد التي تكلّلها الثلوج، وقد قررت في سن السبعين البدء من جديد، والعمل في تحضير مونة الفواكه اللذيذة لتقدّم لعائلتها حياة كريمة.
وقد لفتت هذه العملية الناجحة لكسب الأموال من بيع المونة اهتمام “بوك”، وهي إحدى العلامات التجارية البارزة في لبنان، واستمدّت الإلهام من روح الريادة لدى هؤلاء السيدات، فبادرت إلى الالتزام بتوسعة أعمالهن وتحسينها.

وتجسّد هذا الالتزام في المبادرة الوطنية على رفوفنا من قلوبن، التي تهدف إلى تطوير الدخل المحلي للنساء اللواتي يشكّلن حجر الأساس في مجتمعاتهن.
وتعتمد مبادرة “على رفوفنا من قلوبن” على مرطبانات “بوك” الزجاجية وتحويلها إلى مستوعبات لكي تستخدمها خمس رائدات أعمال من خمس قرى لبنانية مختلفة. ثم استخدمت “بوك” المساحات المخصصة لها في سوبرماركات كارفور لمساعدة هؤلاء النساء في الوصول إلى شريحة أكبر من المجتمع، وأنشأت بالتالي منصة وطنية لبيع مرطبانات الزعتر، ومكدوس الباذنجان، وقشر البوصفير، والسماق، ومربّى اليقطين.
وتتعدّى هذه المرطبانات مجرّد استخدامها كمستوعبات بالنسبة إلى هؤلاء النساء، إذ يعتبرن أنها بوابة تستطيع كل واحدة منهن عبرها مشاركة قصتها الفريدة حول الصمود والابتكار. وتحتفي مبادرة “على رفوفنا من قلوبن” بقوة ريادة الأعمال العضوية، بدءاً من نجلا نصار التي بدأت بإعداد المونة كوسيلة لمحاربة تراجع مستوى المعيشة في قريتها، ووصولاً إلى سميرة زغيب التي قررت نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة الاستفادة من النباتات والمحاصيل التي تزرعها عائلتها لتحضير المونة.
الصمود بوجه الأزمات
في محاولة لمحاربة معدل بطالة النساء الهائل الذي بلغت نسبته 63% في لبنان، نشأت مبادرة “على رفوفنا من قلوبن” لتشكّل بارقة أمل أساسية تساعد في إعادة بناء المجتمعات اللبنانية.
وتعتبر “آرلا”، الشركة الأم لشركة “بوك”، أن “على رفوفنا من قلوبن” هي مبادرة أولية تمهد الطريق نحو المزيد من البرامج التي تعتزم العلامة التجارية الرائدة إطلاقها مستقبلاً، سعياً منها لمواصلة اتخاذ خطوات نحو تمكين المرأة في المجتمع.
وعن هذه المبادرة قال يحيى عادل الشريف، رئيس قسم تسويق المنتجات في “آرلا فودز”: “إن جهود بوك الاستباقية تجاه سلوك المستهلك المستدام على مستوى المجتمع تهدف إلى إحداث تغيير إيجابي على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والبيئي. ومن الملهم أن نرى بوك تتخذ حملات مستمرة لتشجيع العادات الواعية من خلال إعادة استخدام عبواتها الزجاجية مع دعم وتمكين الأعمال الحرفية المحلية التي تقودها النساء في لبنان”.
لا يختلف اثنان على أن مفهوم الصمود اللبناني ليس مجرّد فكرة، بل إنه واقع ملموس للأفعال اليومية، التي نكاد لا نراها أحياناً، والتي تعكس وحدة اللبنانيين المتجذّرة في نسيج المجتمع اللبناني.
وفيما تحوّل النساء عبر شتى المناطق في لبنان الخيرات الموسمية إلى مونة شهية في مرطبانات، فإنهن بذلك يساهمن في إطعام مجتمعاتهن، وبناء المؤسسات، وتعزيز الدعم المتبادل الذي توارثته الأجيال. لقد أصبحت مبادرة “على رفوفنا من قلوبن” التي انبثقت من التزام بوك بتحقيق الازدهار المستدام، سبيلاً لتمكين هؤلاء النساء، من خلال تزويدهن بمساحة لبيع منتجاتهن على الرفوف وبمنصة تساعدهن في تحقيق النجاح.
