نقل الثقافة
ترسخ دولة قطر مكانتها كعاصمة ثقافية عالمية. ولكن مع توسع مجموعتها في الفن الرائج، نطرح السؤال: كيف
يتم نقل الأعمال الفنية إليها؟
عندما تصل إلى مطار حمد الدولي في قطر، سرعان ما ستجد نفسك أمام تحفة فنية بطول 32 قدماً مصنوعة من خشب الأفرورموزيا الكثيف. إنها القطعة الفنية «أكذوبة» من أعمال الفنان الأمريكي «كاوس»، وهي دلالة على نجاح قطر في ترسيخ مكانتها كعاصمة ثقافية عالمية على مدى العقدين الماضيين.
في الأساس، كانت القطعة الفنية «أكذوبة» معروضة في حديقة يوركشاير للمنحوتات في المملكة المتحدة. إذاً، كيف تم نقل تمثال يبلغ وزنه 15 طناً بأمان من شمال إنجلترا إلى مطار قطر الرئيسي؟ كشفت شركة GWC، وهي المزود الرائد للخدمات اللوجستية في دولة قطر، عن أسرار مدهشة حول شحن الأعمال الفنية حول العالم.
أكذوبة بحجم تمثال
يقول دنكن كاب، مدير إدارة قسم الأعمال الفنية في شركة GWC: «عند نصب أحد الأعمال الفنية في مكان عام، يجب اتخاذ احتياطات إضافية. وما من مكان عام أكثر اكتظاظاً من المطار».
يشرح كاب أن «أكذوبة» وصلت على شكل «تسع أو عشر قطع»، تتطلب كل منها معدات رفع ثقيلة لإخراجها من الصندوق. وبما أنها تتمركز على طابق «ميزانين»، كان الارتفاع المتاح لنصبها محدوداً، كما كان لا بد من ترك مساحة للمسافرين ليتنقلوا بأمان في المطار. في النهاية، يقول كاب إن فريقه صمّم وبنى نظام رافعة جسرية لهذه الغاية. ويضيف: «لم تكن العملية خالية من التحديات، ولكنها نُفِّذت باحتراف».
ليست «أكذوبة» العمل الفني الوحيد الذي تولى تركيبه فريق العمل في شركة GWC. فقد سعت قطر في السنوات الأخيرة إلى تعزيز مكانتها كعاصمة ثقافية، لا سيما من خلال إنشاء متحف الفن الإسلامي في عام 2008. يقول كاب، وهو بريطاني الجنسية من لندن: «إنه متحف رائع بات أيقونة حقيقية في قطاع السياحة والثقافة القطري».
تبعه في عام 2019 إنشاء متحف قطر الوطني المذهل، الذي صممه المهندس المعماري الشهير جان نوفيل على شكل وردة الصحراء، والذي سيتبعه المزيد من المشاريع الفنية في المستقبل. يقول رنجيف منون، الرئيس التنفيذي للمجموعة في GWC: «قليل من الناس خارج قطر يعرفون أنها موطن لإحدى أرقى مجموعات الفن المعاصر وأكثرها تنوعاً في العالم. نشعر بالفخر الشديد بتولّينا عملية نقل وتخزين هذه القطع الأثرية واللوحات والمنحوتات الثمينة».
خدمة من الألف إلى الياء
من المشاريع البارزة الأخرى نذكر منحوتة شرق-غرب/غرب-شرق للفنان ريتشارد سيرا، وهي عبارة عن أربع صفائح فولاذية متناسقة تزيّن الصحراء القطرية. يقول كاب: «إنها بيئة قاسية جداً من ناحية الحرارة والرمل والرطوبة. وقد تؤثر سلباً في المواد المعدنية. وهنا يأتي دور مدير حفظ الأعمال الفنية لدينا».
عادةً ما يستعين مقدمو الخدمات اللوجستية للأعمال الفنية بجهات خارجية لحفظ الأعمال الفنية. ولكن شركة GWC تفتخر بتقديم خدمة متكاملة تشمل جميع العمليات المطلوبة لنقل المقتنيات الفنية من معرض إلى آخر، بما في ذلك الترميم. ويتابع كاب: «تقع منحوتة شرق-غرب/غرب-شرق في موقع بعيد جداً. ومع ذلك، قام أحدهم بطلائها. لذلك، اضطررنا إلى ترميمها بالكامل مرتين».
تشمل خدمات الشركة بناء صناديق مخصصة لنقل القطع الثمينة، لأن السرقة والأضرار العرضية ليست المخاطر الوحيدة التي تهدد الأعمال الفنية أثناء نقلها. تحوي صناديق الفنون الجميلة القطع بأمان في مناخ مخصص لها، وذلك من خلال تغطية المنحوتات واللوحات بمواد تغليف خاصة بالمتاحف وإغلاق الصناديق بإحكام. وعند وصول القطعة، تُخزَّن مؤقتاً في أحد مستودعات شركة GWC التي توفر إمكانية التحكم بدرجة الحرارة والرطوبة وتتمتع بمستوى عالٍ من الأمان، قبل نقلها إلى مكان عرضها. لكن دور قسم الأعمال الفنية في شركة GWC لا يقتصر على ضمان سلامة التماثيل والرسومات فحسب، بل إنه مكلّف أيضاً بحماية القطع الأثرية الثقافية الثمينة.
الكأس الأشهر في عالم الرياضة
تضطلع شركة GWC بدور مزود الخدمات اللوجستية الرسمي للدولة المضيفة فتتولى تقديم جميع الخدمات اللوجستية لبطولة كأس العالم FIFA قطر ٢٠٢٢TM، التي ستقام في نوفمبر. ويشرح منون هذا الدور: «عندما تصل كأس FIFA إلى الدوحة، ستستلمه شركة GWC، ونحن من سيتولى مسؤولية حمايته».
يضيف منون أن شركة GWC تتعامل مع كل قطعة باتباع «أعلى معايير السلامة والأمن». ولكن الفرق الوحيد، بحسب كاب، هو أن «الجميع يعرف شكل كأس العالم. لذلك، يتطلب إجراءات أمنية إضافية». وتجدر الإشارة إلى أن كاب رفض الإفصاح عن تفاصيل تلك الترتيبات لأسباب أمنية، واكتفى بالقول إن الكأس ستكون في أيدٍ أمينة.
مستقبل الثقافة القطرية
إنه لأمر مثير للإعجاب أن تتمتع دولة قطر، بتاريخها الحديث نسبياً في الأعمال الفنية الرائجة، وشركة GWC، وهي شركة حديثة نسبياً في مجال الخدمات اللوجستية إذ تأسست في عام 2004، بهذه القدرات ذات المستوى العالمي. ويشكل هذا عنصراً أساسياً في نجاح دولة قطر في الارتقاء إلى القمة في فضاء الفن العالمي.
وفي هذا السياق، يقول منون: «نفتخر بمشاركتنا في المشهد الفني القطري المزدهر، حيث تستعرض دولة قطر أعمال فنانين مشهورين دولياً، فيما تعزز المواهب الاستثنائية التي يتمتع بها الجيل الجديد من الفنانين الناشئين في دولة قطر».
ويوافقه كاب الرأي على أن المستقبل يحمل المزيد من الإنجازات، قائلاً: «نعمل على بعض المشاريع الرائعة. لا يمكنني الإفصاح عنها الآن، لكنها ستكون حتماً حديث الناس حول العالم».